حين تُغلق أبواب المدارس وتبدأ العطلة الصيفية، لا يعني ذلك أن عجلة التعلم يجب أن تتوقف؛ بل لتكن هذه الفترة فرصة ذهبية لإعادة تشكيل العلاقة بين الطفل والمعرفة، بعيدًا عن ضغط الجداول الدراسية والاختبارات، وفي قلب هذا المشهد، يأتي دور أولياء الأمور بوصفهم شركاء فاعلين في العملية التعليمية، لا سيما في تنمية مهارات أساسية كالحساب الذهني، الذي يُعدّ من أهم أدوات التفكير الرياضي والمنطقي.
إن الطفل، حين يمارس الحساب الذهني في بيئة منزلية داعمة، فإنه لا يكتسب مهارة حسابية فحسب، بل ينمّي قدرته على التركيز، ويعزز ثقته بنفسه، ويطوّر مرونته الذهنية. وقد أثبتت الأبحاث التربوية الحديثة أن الأطفال الذين يشاركون في أنشطة منزلية تفاعلية في الرياضيات خلال العطلة الصيفية، يظهرون تحسنًا ملحوظًا في اختبارات التفكير العددي، مقارنة بأقرانهم الذين ينقطعون عن الممارسة الذهنية خلال هذه الفترة. وهذا ما يجعل من إشراك الأسرة في هذا المسار أمرًا بالغ الأهمية.
وليس من الضروري أن تكون الأنشطة معقدة أو تتطلب أدوات خاصة؛ بل، يكفي أن تتحول تفاصيل الحياة اليومية إلى فرص تعليمية؛ فالمطبخ يصبح مختبرًا للقياس والضرب والقسمة، والسوق يتحول إلى ساحة لتقدير الأسعار وحساب الباقي، والرحلات العائلية يمكن أن تتضمن تحديات ذهنية بسيطة تُحفّز الطفل على التفكير. حتى الألعاب التقليدية، مثل "السلم والثعبان" أو "مونوبولي"، يمكن تعديلها لتتضمن أسئلة حسابية تُطرح قبل كل حركة، مما يضفي على اللعب بُعدًا تعليميًا ماتعًا.
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال دور المعلمين، الذين يمكنهم تمهيد الطريق لأولياء الأمور بإعداد كتيبات أنشطة صيفية مبسطة، أو تنظيم لقاءات قصيرة قبل نهاية العام الدراسي لشرح أهمية الحساب الذهني وطرق دعمه في المنزل، كما يمكنهم إنشاء مجموعات تواصل إلكترونية لمشاركة أفكار أسبوعية، وتقديم تغذية راجعة تشجع الأهل على الاستمرار.
ومن المبادرات التي يمكن أن تجسد هذا التعاون:
1. مشروع حسابنا الصيفي:
الأدوات المستخدمة:
• دفتر أنشطة أسبوعي.
• أدوات توثيق مثل كاميرا، أوراق، أقلام، تطبيقات تصميم بسيطة مثل Canva أو Google Slides
• جدول متابعة أسبوعي.
كيفية التطبيق:
• يُخصص لكل طفل دفتر يحتوي على مهام حسابية أسبوعية مثل مسائل جمع وطرح، تقدير، مقارنة.
• يُنفذ الطفل المهام بمساعدة الأهل، ويُشجَّع على توثيقها بالصور أو الكتابة أو الرسوم.
• في بداية العام الدراسي، يُعرض الدفتر في فعالية مدرسية تُبرز جهود الطفل.
أمثلة:
• الأسبوع الأول: احسب مجموع ما أنفقته الأسرة في السوق
• الأسبوع الثاني: صمم جدولًا لمصاريفك اليومية
• الأسبوع الثالث: اكتب قصة قصيرة تتضمن مسائل حسابية
2. تحدي الأسبوع الرقمي
الأدوات المستخدمة:
• تطبيقات تعليمية مثل Kahoot، Prodigy ، أو Google Forms.
• جهاز لوحي أو هاتف ذكي.
كيفية التطبيق:
• يُرسل تحدٍّ رقمي أسبوعي للطفل (مثلاً عبر مجموعة واتساب أو بريد إلكتروني).
• يُطلب منه حلّ لغز أو مسألة منطقية.
• تُشارك الأسرة في الحل، وتُمنح مكافآت رمزية.
أمثلة:
• كوّن أكبر عدد ممكن من الأعداد باستخدام الأرقام: 2، 5، 7، 9
• إذا كان أحمد لديه 3 صناديق، وكل صندوق يحتوي على عدد مضاعف من الكرات، كم عدد الكرات؟
3. بطولة العائلة للحساب الذهني
الأدوات المستخدمة:
• بطاقات أسئلة جاهزة أو تطبيقات مثل MentalUP
• مؤقت زمني.
• لوحة نتائج عائلية.
كيفية التطبيق:
• تُنظَّم جلسة أسبوعية تتضمن مجموعة من المسائل الذهنية.
• يُشارك الجميع، ويُمنح الفائز لقبا مثل "عبقري الأسبوع".
• تُسجل النقاط وتُعرض في لوحة داخل المنزل.
أمثلة:
• احسب ناتج: 125 × 8 في أقل من 30 ثانية
• ما هو العدد الذي إذا أضفت له 15 ثم قسمته على 3 يعطي 20؟
4. نادي الحساب الذهني الصيفي
الأدوات المستخدمة:
• مجموعة إلكترونية واتساب، تليغرام، Google Classroom
• لقاءات افتراضية قصيرة.
كيفية التطبيق:
• ينضم الأطفال المهتمون بالحساب الذهني إلى المجموعة.
• تُرسل تحديات يومية أو أسبوعية.
• يُناقش الأطفال الحلول في لقاءات قصيرة.
أمثلة:
• لغز رياضي جماعي
• شارك طريقة جديدة لحل مسألة ضرب طويلة
وهكذا، حين تتكامل جهود البيت والمدرسة، تتحول العطلة الصيفية من وقت فراغ إلى موسم خصب للنمو العقلي والوجداني. فالحساب الذهني ليس مجرد تمرين رياضي، بل هو بوابة لصقل الذكاء، وبناء الثقة، وصناعة جيل أكثر مرونة واستعدادًا لمواجهة تحديات المستقبل.